فصل: مسألة كان يأخذ لابنه عطاء وقسما فهلك الأب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة عبد أعجمي عاتبه سيده في جارية زوجها إياه، فقال قد فارقتها:

وقال مالك في عبد أعجمي عاتبه سيده في جارية زوجها إياه، فقال: قد فارقتها قال: يسأل العبد، فإن عرف ما أراد من الطلاق فذلك له، وإلا فهي ألبتة، إذا كان لا يدري من أجل العجمية. قال ابن القاسم: كأني رأيت محمل قوله في ذلك إذا لم يعرف الطلاق، أنه أراد أن يبرأ منها فلذلك ألزمه ألبتة.
قال محمد بن رشد: الفراق من كنايات الطلاق، وقد قيل فيه: إنه من صريحه لقول الله عز وجل: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فلا يعذر الأعجمي بجهله أن ذلك طلاق، ويحمل إذا جهل ذلك على أنه أراد أن يبرأ منها، فتلزمه ألبتة، على ما ظهر لابن القاسم من نحو قول مالك ونحوه لأصبغ في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق، ويكون إذا جهل ذلك بمنزلة غير الأعجمي، إذا لم تكن له نية؛ لأن من قال لامرأته: قد فارقتك ولا نية له في واحدة ولا في اثنتين، فهي ثلاث، إذا كان قد دخل بها، ولا فرق في هذه المسألة بين أن يقول الأعجمي: لم أرد ما أردت، أو يقول لم تكن لي نية، وإنما يفترق ذلك إذا قال: أنت طالق، وكذلك روي عن مالك؛ لأنه حمل قوله: لا أدري ما أردت على أنه أراد شيئا ونسيه، وحمله سعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد في التخيير والتمليك من المدونة، على أنه لم تكن له نية، إذ قال الرجل لامرأته: قد فارقتك ولم يدخل بها، فقيل: هي واحدة، إلا أن يريد ثلاثا، وقيل: هي واحدة، إلا أن يريد واحدة، والقولان في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي كتاب التخيير والتمليك من المدونة في قد خليت سبيلك ولا فرق بينهما.

.مسألة طلقها زوجها ولها منه ولد فرمته عليه استثقالا له:

قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها، ولها منه ولد فرمته عليه استثقالا له، فليس لها أن تأخذه؛ لأنها قد أسقطت حقها في حضانته، إلا على القول بأن الحضانة من حق المحضون، وهو قول ابن الماجشون، ولو كانت إنما ردته إليه من علة ومرض، أو انقطاع لبنها، لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن، على ما وقع لمالك في أول سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمر السنة وشبهها، لم يكن لها أن تأخذه منه. واختلف إذا مات هل لها أن تأخذه لمن تصير إليه الحضانة بعده؟ فقال في آخر رسم من سماع أشهب: ليس لها أن تأخذه؛ لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته. وقد قيل: إن لها أن تأخذه بعد موته؛ لأن تركها له عند أبيه، إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للأب خاصة، وكذلك إذا قامت الجدة بعد السنة، لم يكن لها أن تأخذه. وقال ابن نافع: لها أن تأخذه. ومثله لابن القاسم في المدنية إن لها أن تأخذه، إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه. وهذا على الاختلاف في السكوت، هل هو على الإقرار والإذن أم لا؟ وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة يكره السلطان المرء على أن يحج أباه:

قال مالك: لا يكره سلطان المرء على أن يحج أباه، ولا على إنكاحه.
قال محمد بن رشد: قوله: إن السلطان لا يكره الرجل على أن يحج أباه صحيح، على القول بأن الحج على التراخي، ويأتي على القول بأنه على الفور، إنه يلزمه ذلك، كما يلزمه أن يشتري له ماء لغسله ووضوئه، إذ لا يسعه أن يؤخر ذلك من أمر دينه، وأما إنكاحه. فقد روي عن أشهب أنه يجبر على إنكاحه، ووجه ذلك أن النكاح مما قد تدعو إليه الحاجة، وتمسه الضرورة، فوجب أن يكون كالنفقة، وإذا كان يجبر على أن ينفق على زوجته؟ لحاجته إليها وجب أن يجبر على تزويجه لحاجته إليها، فقول أشهب ينحو إلى ما في المدونة من إيجاب النفقة على زوج الأب. وقول مالك منها ينحو إلى قول المغيرة، وقول محمد بن عبد الحكم، في أنه لا يجب على الرجل أن ينفق على ربيبته، ولو تحققنا حاجة الأب إلى النكاح لانبغى ألا يختلف في أن على الابن أن يزوجه، فالاختلاف في هذا إنما هو عائد إلى تصديق الأب فيما يدعي من الحاجة إلى النكاح، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يلي ولده ويكون لهم الميراث:

ومن كتاب سلعة سماها:
وسئل عن الرجل يلي ولده، ويكون لهم الميراث، فيموت ولده، فتقوم جدته في ذلك، فيقول أبوه قد أنفقت عليه في رضاعه، وفي كذا وكذا لأمر يسميه أترى عليه يمينا؟ قال: أما إن كان رجل مقل مأمون، فلا أرى ذلك، وإن كان غنيا فأنى له أن يحلف، فإن جل الآباء هم ينفقون على أولادهم، وإن كانت لهم أموال.
قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه المسألة بين أن يكون الميراث الذي لهم عروضا أو قرضا، كما فرق بين ذلك إذا مات الأب في أول مسألة من السماع، فدل ذلك على أنه تكلم في هذه المسألة على أن الميراث لم يقبضه بعد ولا صار بيده، أو على أنه قبضه واستنفقه، أو على أنه نقص منه قدر ما ادعى أنه أنفقه على ابنه. وقد مضى الحكم في يمين التهمة، والله أعلم.

.مسألة يسافر بامرأته ولم يدخل بها:

وسئل عن الرجل يسافر بامرأته ولم يدخل بها، فيقيم عنها الأشهر، فتطلب النفقة، قال: أرى أن ينفق عليها من ماله، ويلزم ذلك.
قال محمد بن رشد: قد قيل: لا نفقة لها إن كان مغيبه قريبا؛ لأنها لا نفقة لها حتى تدعو إلى البناء، وهي لم تدع إليه قبل مغيبه، فإذا طلبته وهو بالقرب، كتب إليه، فإما أن يبني أو ينفق. وقيل: لها النفقة من حين تدعو إلى البناء، وإن كان غائبا على قرب، فليس عليها أن تنظره في شيء قد وجب لها في ماله. وهذا القول أقيس، وهو ظاهر الرواية، إذ لم يفرق فيها بين قرب ولا بعد، وبالله التوفيق.

.مسألة المختلعة يتزوجها زوجها ثم يطلقها قبل أن يمسها أتستأنف العدة أم تبنى:

وسئل عن المختلعة يتزوجها زوجها ثم يطلقها قبل أن يمسها أتستأنف العدة أم تبنى؟ قال: بل تبنى، وذلك أنه ليس لها إلا نصف الصداق، وهو نكاح جديد، ولا يشبه الذي يطلقها واحدة ثم يرتجعها، تلك تستأنف العدة، وإن لم يطأها ليس حالهما واحدة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن المختلعة قد بانت من زوجها، فإن تزوجها ثم طلقها قبل أن يمسها لم يكن عليها عدة من هذا الطلاق الثاني؛ لأنها مطلقة قبل الدخول، فوجب أن تبني على عدتها؛ لأنها عدة قد لزمتها من طلاق بعد الدخول، فلا تنهدم إلا بالدخول، ولو مات الزوج بعد أن تزوجها، وقبل أن يدخل بها، لوجب عليها أقصى الأجلين، لوجوب العدتين جميعا عليها، الأولى بالخلع بعد الدخول، والثانية بالموت بعد النكاح وقبل الدخول، وأما التي يطلقها واحدة، ثم يرتجعها فيطلقها قبل أن يمسها فإنها تستأنف العدة لأن الرجعة تهدم العدة، ويعود بها الزوج إلى حاله قبل الطلاق؛ لأن العصمة لم تزل بالطلاق، وإنما حدث به فيها ثلم صلح بالرجعة، فوجب إذا ارتجعها ثم طلقها، أن يستأنف العدة، مس بعد ارتجاعه أو لم يمس؛ لأنه وإن لم يمس بعد الرجعة، فقد مس قبلها وقبل الطلاق الذي انهدمت عدته بالرجعة، فصار طلاقه هذا طلاقا من نكاح قد مس فيه، وكذلك الموت يهدم العدة عند مالك، كما تهدمها الرجعة عنده، فترجع المرأة إذا مات زوجها في العدة، إلى عدة الوفاة، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يهدمها، فتعتد المرأة إذا مات زوجها في عدتها أقصى الأجلين، وهو قول ابن عباس وسليم بن يسار، وابن شهاب، ولا أحفظ من يقول إن الرجعة لا تهدم العدة، وأنه إذا ارتجعها ثم طلقها قبل أن يمسها إنها تبني على العدة، إلا ما يروى عن منازعة ابن أبي ذيب في ذلك لابن شهاب، إذ قال له ابن شهاب: إنها تستأنف العدة، فقال له ابن أبي ذيب: ما هكذا قلت لي، فقال له: نعم، فقال له: لا، فقال له: نعم، فقال له: كذبت، فقال له: بل كذبت، فحلف ألا يحدثه بحديث أبدا، فكتب إليه بأحاديث إذ كان من مذهبه أن من. حلف لا يكلم رجلا لا يحنث بالكتابة إليه وهو قول أشهب، والله الموفق.

.مسألة تأتيها وفاة زوجها وزوجها غائب:

وسئل عن المرأة تأتيها وفاة زوجها، وزوجها غائب، أترى أن تشهد على ذلك؟ فقال: لم؟ أفي شك هي؟ فقال: لا، قال: ما أرى ذلك عليها إذا كانت على ثبت من أمرها، إلا أن تكون على شك.
قال محمد بن رشد: قوله: أترى أن تشهد على ذلك؟ معناه أترى أن تطلب الشهادة على صحة الخبر بذلك؟ فلم ير ذلك عليها، إذا لم تشك في صحته، وهو كما قال، إذ لا يلزمها أن تعتد بالشك، ولا تستبيح النكاح به بعد العدة، وبالله التوفيق.

.مسألة المفقود الذي يخرج إلى بلد بتجارة فيفقد فلا يدرى أين وجه:

وسئل عن المفقود الذي يخرج إلى بلد بتجارة، فيفقد فلا يدرى أين وجه؟ أترى هذا مفقودا؟ قال: نعم، وأرى أن يكتب إلى ذلك الموضع فيطلب ويسأل عنه، فإن عما أمره، ضرب لامرأته بعد ذلك أجل المفقود.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، إن المفقود الذي يضرب لامرأته أجل المفقود بعد البحث عنه، والسؤال عن خبره في الناحية التي توجه إليها، ويوقف ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يجيء لمثله، هو الذي يفقد في بلاد المسلمين، وقد خرج لتجارة أو غيرها، وإن عرف البلد الذي نزع إليه ثم غاب خبره، على ما في سماع أبي زيد. وسيأتي في أول سماع أشهب، وفي رسم أسلم، من سماع عيسى بيان حكم المفقود في بلاد الحرب، وبين الصفين في قتال العدو، وفي قتال المسلمين، إن شاء الله، وبالله التوفيق.

.مسألة تحيض حيضة في كل سبعة أشهر يهلك زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشرا:

وسئل عن المرأة التي تكون حيضتها في ستة أشهر، أو سبعة أشهر حيضة، إنها تحيض حيضة في كل سبعة أشهر يهلك زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشرا، أترى أن تتزوج؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك فإن نويت في نفسها رأيت أن ينظر إليها من النساء من يعرف الحمل، فإن رأين أنه ليس بها شيء، وأنها ليست مرتابة، رأيت أن تتزوج وإنه لا ينبغي أن يحمل الخاص على شيء لا تحمل عليه العامة فمن النساء من لا تحيض أبدا.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه: إن المتوفى عنها زوجها وقد دخل بها تحل بتمام أربعة أشهر وعشرا، وإن لم تحض فيها إذا لم يمر بها فيها وقت حيضتها، ولم يكن بها ريبة من حمل، وروى ابن كنانة عن مالك في سماع أشهب أنها لا تحل حتى تحيض، أو يمر بها تسعة أشهر.
وحكى ابن المواز أن مالكا رجع عن هذا القول، وكذلك هو شذوذ من القول؛ لأنها قد أكملت العدة التي فرضها الله عليها، ولا ريبة بها، فوجب أن تحل، وكذلك إذا مر بها فيها وقت حيضتها فلم تحض من أجل أنها ترضع، وأما إن مر بها فيها وقت حيضتها فلم تحض، وليس بها عذر يمنع الحيض، من مرض أو رضاع، فالمشهور في المذهب، أنها لا تحل حتى تحيض، أو تمر بها تسعة أشهر، ولم يختلف في ذلك قول مالك، وهو قول عامة أصحابه؛ لأن ارتفاع الحيض من غير سبب يعلم لارتفاعه ريبة، وذهب ابن الماجشون، وسحنون، إلى أنها تحل بتمام الأربعة أشهر وعشرا إذا لم يكن بها من الريبة أكثر من ارتفاع الحيض، وأما إن ارتابت من الحمل بامتلاء في البطن، فلا اختلاف في أنها لا تحل حتى تسلم من تلك الريبة، أو تبلغ أقصى أمد الحمل. واختلف إذا ارتفع حيضها بالمرض، فقال أشهب: إن ارتفاعه به كارتفاعه بالرضاع، لا يكون ارتفاع الحيض معه ريبة في الوفاة ولا في الطلاق، فتحل في الوفاة بأربعة أشهر وعشرا، وتعتد في الطلاق بالأقراء وإن تباعدت قال ابن القاسم ورواه عن مالك: أن ارتفاع الحيض مع المرض ريبة، كالصحيحة، فتتربص في الوفاة بتسعة أشهر، وفي الطلاق بسنة، تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، وبالله التوفيق.
ومن كتاب أوله شك في طوافه:
وسئل عن امرأة المفقود إذا خرجت من الأربع سنين، وضرب لها أجل أربعة أشهر، أترى عليها إحدادا؟ قال: نعم، أرى عليها الإحداد. قال ابن القاسم: وإنما يكون عليها الإحداد في الأربعة أشهر وعشر.
قال محمد بن رشد: ابن الماجشون، لا يرى عليها الإحداد في ذلك، وإليه ذهب سحنون، من أجل أنها عدة متيقنة، إذ لعل الزوج حي، أو قد مات، قبل ذلك بمدة، فانقضت العدة. وقول ابن القاسم هو القياس؛ لأنها عدة وفاة بظاهر الحكم، تحل بها للأزواج، فوجب أن يكون عليها الإحداد كالعدة المتيقنة.

.مسألة العبد يكون متزوجا فيطلق تطليقة فيريد سيده أن يمنعه من الرجعة:

وسئل مالك عن العبد يكون متزوجا فيطلق تطليقة فيريد سيده أن يمنعه من الرجعة، ويريد العبد أن يرتجع والسيد منعه قال: ليس لسيده أن يمنعه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل العصمة، وإنما يوجب فيها ثلما يمنع الوطء. وأحكام الزوجية كلها قائمة من النفقة والموارثة، بارتفاع الرق، فإليه أن يرفع هذا الثلم عن العصمة بالرجعة، بدليل قول الله عز وجل: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وهو الرجعة عند الجميع وليس ذلك بابتداء نكاح، فيكون لسيده أن يمنعه من ذلك. ألا ترى أن المحرم يراجع زوجته؟ وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة يكون لها ولد صغير ولولدها مال أتنال معهم منه:

وسئل مالك عن المرأة يكون لها ولد صغير، ولولدها مال، أتنال معهم منه؟ قال: إن كانت محتاجة، فأرى في ذلك لها، قيل له: إنها موسرة، أفترى أن تأكل؟ قال: لا، قيل له: أفتخلط نفقتها بنفقتهم وتأكل معهم؟ قال: إن كانت تفضل، فلا أرى بأسا، قيل له: إنها تقوم عليهم وتلي أمرهم افترى أن تأكل معهم وإن لم تحتج؟ فلم ير ذلك إلا أن تكون محتاجة.
قال محمد بن رشد: وهذا كله على ما قال، إن كانت محتاجة، فلها أن تأكل من ماله؛ لأن النفقة تجب لها فيه بالحكم لو سألت ذلك، وجائز للرجل أن يأخذ لنفسه ما يجب له بالحكم، لقول رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ لهند: «خذي يا هند ما يكفيك وولدك بالمعروف»، فأباح لها أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه ما يجب لها فيه ولولدها من حق، ولم ير لها إن كانت موسرة أن تأكل من مالهم، وإن كانت تقوم عليهم، وتلي أمرهم، لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6]، فظاهر قوله هذا خلاف ما في هذا الرسم بعينه من كتاب النكاح من أن للحاضن النفقة في مال المحضون، وقد مضى من القول على ذلك هنالك، ما فيه كفاية إن شاء الله. وأما خلط نفقتها بنفقتهم إن كانت لفضل، فالأصل في جواز ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]، يقول الله تعالى يعلم من يقصد بمخالطة يتيمه أن يوقفه ممن يقصد بذلك أن يرتفق به وسيأتي مثل هذا في رسم أخذ يشرب خمرا.
ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة:
وسئل مالك عن الرجل يطلق امرأته ويريد سفرا فتدعي حملا أو تقول: دع لي نفقتي قال: ليس ذلك لها، وإنما هو بمنزلة المقيم في ذلك، ولكن يستانا بها، فإن استمر بها حمل جمع لها ذلك كله، فيدفع إليها، ولا يمنع من سفره.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة، سواء إنه لا يلزمه أن يقيم لها حميلا بالنفقة، فإن خرج وظهر بها حمل فأنفقت على نفسها رجعت عليه بذلك، إذا كان موسرا يوم أنفقت، ولا اختلاف في هذا أعلمه، وبالله التوفيق.

.مسألة كان يأخذ لابنه عطاء وقسما فهلك الأب:

وسئل عن رجل كان يأخذ لابنه عطاء وقسما، فهلك الأب، فقال بنون له آخرون: نحن نريد أن نحاسبك، قد أنفق ذلك عليك، وكان الابن في حجر أبيه، قال: أرى أن يحسب ذلك ويحاسب به، فما كان في ذلك من فضل كان للابن قبل أبيه.
قال محمد بن رشد: قوله: فما كان في ذلك من فضل كان للابن قبل أبيه، يدل على أن ما كان يأخذ لابنه قد كان استنفقه وصار له في ذمته، وقد أتى القول على ذلك في التقسيم الذي ذكرناه في أول مسألة من السماع فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة كانت تسكن مع زوجها ثم هلك زوجها وله منها ابنة بنت ثمان سنين:

ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا:
وسئل مالك عن امرأة كانت تسكن مع زوجها ثم هلك زوجها، وله منها ابنة بنت ثمان سنين، وللمتوفى إخوة ولأم الجارية إخوة من مسكن الزوج على رأس مرحلتين، فأرادت أن تدخل بابنتها إلى إخوتها وهو مسكنها الذي كانت تسكنه قبل أن تتزوج، فأبى عمومة الجارية أن يتركوها، قال: قال مالك: المرأة لا أرى أن تدخل بها من عندهم قالت: فإن أخوتي يريدون أن يدخلوني قال: ليس ذلك لهم، وليس لك أن تخرجيها من عند ولاتها.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في كتاب ابن المواز من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، إنه ليس لها أن تدخل بهم مسافة الرحلة والرحلتين، قال أشهب: ولا إلى الثلاثة برد، وهو مثل ما في المدونة من أنه ليس لها أن تخرج بهم إلى المكان القريب، وليس في حد ذلك شيئا يرجع إليه في الكتاب أو السنة، وإنما هو الاجتهاد، لقول الله عز وجل: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233]، وقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذا اجتمع ضرران، نفي الأصغر للأكبر»؛ لأن منع المرأة من الخروج بولدها إضرار بها، وإباحة ذلك لها إضرار بأولياء الصبي، فوجب الاجتهاد في ذلك، ولذلك وقع فيه هذا الاختلاف، والله الموفق.

.مسألة المتوفى عنها زوجها تؤذن إلى العرس أتخرج إليه:

وسئل مالك عن المتوفى عنها زوجها تؤذن إلى العرس، أتخرج إليه؟ قال: نعم ولا تبيت إلا في بيتها، ولا تتهيأ بشيء مما تنهى عنه المتوفى عنها زوجها أن تلبسه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن لها أن تخرج إلى العرس إذا لم تبت إلا في بيتها، ولا تتهيأ بما لا يجوز للحاد أن تفعله، إذ لا حرج عليها في حضور العرس إذا لم يكن فيه من اللهو إلا ما أجيز في العرس، وقد مضى القول فيما يجوز من ذلك مما لا يجوز في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، وبالله التوفيق.

.مسألة تزوج امرأة لم يدخل بها وأراد سفرا:

وسئل عن رجل تزوج امرأة لم يدخل بها وأراد سفرا فقال لهم: أدخلوها علي الليلة، فقالوا: لا تفعل فوقع بينهم شجر من الكلام فقال لهم: اتركوني ليس لي فيها حاجة، ودعوني، فانصرف عنهم.
قال مالك: أردت بذلك طلاقا؟ قال: لا، قال: ليس عليك شيء، قد يقول الرجل لامرأته ليس لي بك حاجة، فإذا لم يرد به طلاقا فليس عليه شيء، وإن كان لها من يحلفه حلف بالله ما أراد بذلك طلاقا.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن ذلك ليس من ألفاظ الطلاق، فلا يكون طلاقا، إلا أن يريد الطلاق، وتتهمه أنه أراد الطلاق بذلك، فهذه المسألة عندي ضعيفة، فإن لم يطع باليمين، ونكل عنها ترك مع امرأته، ولم يدخل ذلك من الاختلاف ما ذكرناه في أول رسم في مسألة الذي قال في امرأته: إنها مولاته، وزوجها هازلا بذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة صالح امرأته على أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك:

وسئل عن رجل صالح امرأته على أن ترضع ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك، لتمام ست سنين، فإن ماتت قبل ذلك فأبوها ضامن لنفقة الصبي حتى تستكمل ست سنين، واشترط عليها إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا فله الرجعة عليها، ورضيا بالصلح، وتفرقا عليه.
قال مالك: الشرط باطل، ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكز من الرضاع، فإن كان قد رضيا بالصلح وتفرقا على ذلك، فما كان فوق الرضاع فهو ثابت على الأب، ينفق على ولده، وما اشترط بأنه إن لم يكن هذا الصلح جائزا فلي عليك الرجعة، فهذا باطل، لا رجعة له عليها، ولا أحب أن يصالح أحد على مثل هذا، إنما الصلح في ذلك إلى الفطام. قال سحنون: يلزمها النفقة لو اشترط عليها نفقة خمس عشرة سنة لكان ذلك لازما لها.
قال محمد بن رشد: قوله في اشتراط الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا إنه شرط باطل، صحيح بين في المعنى في الصحة؛ لأن الشرع قد أحكم أن تبين المرأة من زوجها بالصلح، كان جائزا أو غير جائز، فاشتراطه أن يكون له الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا لا يجوز؛ لأنه شرط يخالف حكم الشرع، قد قال رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»، وقوله: ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكثر من الرضاع، هو مثل قوله في المدونة: وإنما لم يجز ذلك؛ لأنه غرر، إذ قد يموت الصبي قبل الأجل الذي التزمت نفقته إليه، ومن قوله: إن الخلع بالعبد الآبق، والجمل الشارد، والجنين في بطن أمه، والثمرة قبل أن يبدو صلاحها جائز، فقيل: إن ذلك اختلاف من قوله وقيل: إن ذلك فرق بين المسألتين؛ لأن غرر العبد الآبق، والجنين، وما أشبهه، لا يقدر على إزالته، وقد تدعو المرأة الضرورة إلى المخالعة، وليس لها إلا ذلك، وغرر التزام نفقة الولد بعد الرضاع أعواما يقدر على إزالتها بأن يشترط ألا يسقط النفقة عنها بالموت، وأن يكون للزوج أن يأخذها به إلى الأجل الذي سمياه وإن بعد، وكذلك ما أشبه النفقة مما يقدر على إزالته كالصلح بمال إلى أجل مجهول، وما أشبه ذلك.
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا والثاني أن الخلع بالغرر جائز، كان الغرر مما يقدر على إزالته أو لا يقدر، وهو قول المخزومي في المدونة وقول سحنون هنا، والثالث أن ذلك لا يجوز، كان مما يقدر على إزالته أولا يقدر، وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب؛ لأنه إذا لم يجز الخلع بالغرر الذي لا يقدر على إزالته، فأحرى أن لا يجيزه بالغرر الذي يقدر على إزالته، واختلف على القول بأن الخلع بالغرر لا يجوز إذا ألزم الزوج الطلاق، وأبطل ما خالع عليه من الغرر، هل له أن يرجع عليها، إذا أبطل عنها الجميع بخلع مثلها؟ وإذا أبطل عنها البعض، كالذي يخالع على رضاع ابنها، والنفقة عليه بعد الرضاع إلى أجل معلوم إذا بطل عنها ما أراد على حول الرضاع أن يرجع عليها بمقدار ذلك الجزء من خلع مثلها، على قياس قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وأما المختلعة على رضاع الولد خاصة، فلا اختلاف في جواز ذلك، وإن كان فيه غرر، إذ قد يموت الولد قبل انقضاء أمد الرضاع من قبل أن الرضاع قد يتوجه عليها في عدم الأب، فلما كان قد يتوجه عليها في حال استخف الغرر فيه، ولا رجوع للأب عليها بشيء إذا مات الولد قبل انقضاء أمد الرضاع، إذا كانا إنما عملا على أن أبرأته من مؤونة رضاعه بإفصاح وبيان.
واختلف إذا وقع الأمر مبهما، فحمله مالك في المدونة على ما تأول عليه ابن القاسم على أنها إنما أبرأته من مئونة رضاعه، فلا يرجع عليها بشيء، وقال ما رأيت أحدا طلب ذلك. وفي المختصر الكبير، إنه لو طلب ذلك لكان فيه قول، وبالله التوفيق.

.مسألة له الأخت بالأندلس فيريد أن يخرج إليها ويخاف عليها الضيعة:

وسئل مالك عن الرجل تكون له الأخت بالأندلس، فيريد أن يخرج إليها ويخاف عليها الضيعة، وفيما بينه وبينها فساد وحرب، يخاف الهلاك على دينه، قال: لا أحب له أن يدخل في شيء يخاف فيه الهلاك على دينه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الخوف على الدين، كالخوف على النفس وأشد، وإذا كان ذلك يسقط فرض الحج، لقول الله عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]، فأحرى أن يسقط عنه ما يلزمه من إعانة أخته مخافة الضيعة عليها.

.مسألة يغيب عن امرأته سنين ثم يتسلف لنفقتها:

ومن كتاب طلق:
وسئل مالك عن الرجل يغيب عن امرأته سنين، ثم يتسلف لنفقتها، ويعلم ذلك جيرانها من حالها، وأنه لا يبعث إليها بنفقة، فيموت في غيبته، فتطلب ذلك، وتريد أن تأخذه من ماله، أترى ذلك لها؟ قال: هذه أمور إنما يقضى فيها على وجه ما ينزل باجتهاد الإمام العدل في ذلك، والحي إذا قدم أبين عندي شأنا، إن طلبت النفقة أغرم فإن أنكر أحلف يريد بذلك ويبرأ، وقال في الموت:
يغيب عشرين سنة، ثم يموت، فتريد أخذ ماله استنكارا أن يكون لها ذلك في الموت، إلا أنه قال اجتهاد الإمام العدل في ذلك حين ينزل بالذي يرى.
قال ابن القاسم: ذلك رأيي وأحسن ما سمعت في ذلك، قال: وبلغني عن مالك أنه قال: إن كان حيا وقدم وقد كانت رفعت ذلك إلى السلطان، رأيت أن ترجع عليه إن كان موسرا في غيبته، وإن كانت لم ترفع ذلك إلى السلطان، فقدم فأنكر، وزعم أنه قد بعث إليها أو خلف عندها، رأيت أن يحلف ويبرأ، وإن قدم فأقر، نظر، فإن كان موسرا في غيبته اتبعته، وإن كان معسرا لم تتبعه إلا من يوم أيسر، وإن مات لم أر لها شيئا إلا أن ترفع ذلك إلى السلطان، فتكون لها يوم رفعت ذلك إلى السلطان، إلى أن مات، وما كان قبل ذلك فلا شيء له؛ لأنه لو قدم فأنكر، صدق وحلف، وهو قول مالك.
قال سحنون: إذا قدم الزوج فقال: كنت في غيبتي معدما، كان القول قوله مع يمينه، وكلفت المرأة البينة أنه كان مليا وقاله عثمان بن كنانة.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في أن القول قول الزوج مع يمينه إنه أنفق على امرأته إن كان حاضرا، أو أنه خلف عندها نفقتها، أو بعث بها إليها إن كان غائبا، إذا أنكرت الزوجة ذلك، وطلبته بالإنفاق، ويحلف في دعواه بعث النفقة إليها، لقد بعث بها إليها، فوصلت إليها وقبضتها، كذلك في سماع أشهب من كتاب الأقضية لابن غانم.
واختلف إن رفعت ذلك إلى السلطان في مغيبه، فقال: هاهنا وهو المحفوظ في المذهب: إن القول قولها من يوم رفعت ذلك إلى السلطان. وذكر أبو القاسم بن الجلاب في كتابه عن مالك في ذلك روايتين: إحداهما هذه.
والثانية إن القول قوله على كل حال، وإن رفعت ذلك إلى السلطان، ولها وجه صحيح في النظر، وهو أنها تتهم على أنها إنما فعلت ذلك إعدادا ليكون القول قولها، وإذا قدم من مغيبه فأقر أنه لم يبعث إليها بشيء، ولا خلف عندها شيئا، أو أنكر فنكل وحلفت المرأة أو كانت قد رفعت ذلك إلى السلطان، فصدقت من يوم رفعت مع يمينها على القول بأنها تصدق في ذلك، فإنه يجب لها أن تتبعه بالنفقة، إن كان موسرا، وتسقط عنه إن كان معدما. واختلف إذا قدم فادعى أنه كان في مغيبه معدما، وقد جهل حاله يوم خروجه، على ثلاثة أقوال: أحدها أنه محمول على اليسار، فلا يصدق فيما ادعى من أنه كان في مغيبه معدما، وهو قول ابن الماجشون، في الواضحة، وتأوله بعض أهل النظر، على معنى ما في المدونة، والثاني: أنه يصدق إن قدم معسرا، ولا يصدق إن قدم موسرا، وهو نص قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وظاهر ما في المدونة عندي.
والثالث أنه يصدق، قدم موسرا أو معسرا، وهو ظاهر قول سحنون، وابن كنانة هاهنا، وأما إن علمت حاله يوم خروجه باليسر أو العدم، فهو محمول على ما علم به من ذلك، وإن قدم على خلاف ذلك، هذا قول ابن الماجشون في الواضحة.
وحكى أبو عمر الإشبيلي في اختصار الثمانية لابن بطير أنها رواية لابن القاسم، وهو صحيح؛ لأنه إذا خرج موسرا فقد ثبت أن الإنفاق عليه واجب، فلا يسقط عنه إلا بيقين، وإذا خرج معدما، فقد ثبت أن الإنفاق قد سقط عنه، فلا يعود عليه إلا بيقين وقد تأول ابن زرب على سحنون، وابن كنانة، إن القول قوله، إن كان معدما وإن علم أنه خرج موسرا، وأنكره، وهو تأويل بعيد، لاسيما إن كان قدم موسرا أيضا.
وأما إن مات في مغيبه، فالقياس ألا شيء لها في ماله، إذا لم ترفع ذلك إلى السلطان، على ما حكى ابن القاسم آخرا أنه بلغه عن مالك؛ لأن المعلوم من شأن الأزواج النفقة على أزواجهم، وإنما كان لها على زوجها في ذلك اليمين، فلما مات سقط حقها في ذلك، إلا أن تدعي على الورثة أنهم علموا أنه لم يخلف عندها شيئا، ولا بعث إليها بشيء، فيكون لها أن تحلف منهم على العلم، من كان مالكا لأمر نفسه، وإلى هذا ينحو قول مالك أولا، وإن كان قد رأى أن يجتهد في ذلك واستحسنه ابن القاسم.